الأحد، 5 أكتوبر 2008

أمريكا.. قمة الفشل في صحراء أفغانستان





كتب- أحمد التلاوي:


خبر كبير تناقلته وسائل الإعلام مؤخرًا، قد يكون له أبلغ دلالة فيما وصل إليه المشروع الأمريكي الإمبراطوري في العالم من فشلٍ؛ حيث قال قائد قوات حلف الناتو في أفغانستان الجنرال الأمريكي ديفيد ماكيرنان: إنَّ اتفاق مصالحة بين السلطات الأفغانية وحركة طالبان "أمرٌ واردٌ"، وإنَّ دعوة القبائل إلى المساهمة في إحلال السلام في البلاد "أمرٌ جيدٌ".


أتى هذا التصريح ليتوِّج سلسلةً من التقارير التي نشرت مؤخرًا في شأن اتخاذ حلف الناتو والولايات المتحدة طبعًا العديد من الخطوات والإجراءات لجر حركة طالبان إلى حوارٍ ومفاوضاتٍ مع حكومة الرئيس الأفغاني الضعيف حامد قرضاي، وطلب واشنطن عبر حلفائها في كابول وساطة سعودية في هذا الإطار، تبعًا لقديم العلاقات السياسية والدبلوماسية التي كانت تجمع ما بين نظام طالبان في أفغانستان وحكومة الرياض قبل سقوط طالبان في العام 2001م، بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان.




هذا الخبر الكبير، وأيًّا ما كان الاتفاق أو الاختلاف مع منهج طالبان في العمل مع تنظيم القاعدة، له دلالة شديدة الأهمية فيما يتعلق ليس بالوضع في أفغانستان فحسب وإنَّما بالوضع الإقليمي والعالمي ككلٍّ؛ حيث يعتبر هذا الكلام أحد أبرز مظاهر الهزيمة التي مُنِيت بها الإمبراطورية الأمريكية المدججة بالسلاح ومقتنيات العصر التكنولوجية الأحدث.



والمتمعِّن في تصريحات ماكيرنان يدرك فعلاً أنَّ واشنطن هُزمت سياسيًّا وعسكريًّا في أفغانستان؛ حيث دعا الجنرال ماكيرنان في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن الخميس الماضي إلى توازنٍ أفضل في السُّلطة بين الحكومة المركزية والقبائل، وقال: "إنَّ مبادرة الحكومة الأفغانية بإجراء مفاوضات مع القبائل وربطها بآلية الحكم، سواءٌ على مستوى المحافظات أو الأقاليم، أمر جيد"، عسكريًّا قال الجنرال الأمريكي من مقر وزارة الحرب الأمريكية في واشنطن: "إنَّ الحل النهائي في أفغانستان سيكون حلاً سياسيًّا لا عسكريًّا"!.


والمثير للدهشة أنَّ الهزيمة هذه المرة جاءت أمام "عدوٍّ" لا يتجاوز في تسليحه السلاح الخفيف وبعض الصواريخ المحمولة على الكتف التي لا تصلح إلا لضرب الأفراد والمدرَّعات، إلا أنَّ هذا "العدو" أجاد استخدام السلاح الذي بين يديه في هزيمة المشروع السياسي والعسكري الأمريكي في أفغانستان، في حدثٍ له تأثيراته وصداه على المستوى العالمي ككلٍّ.ظروف متغيرة!شتان ما بين مشهد واشنطن الآن الضعيفة المهزومة، وواشنطن في أكتوبر 2001م عندما تمَّ غزو أفغانستان.. كانت صلافة الرئيس الأمريكي بوش الابن ووزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد ومستشارته للأمن القومي في ذلك الحين كونداليزا رايس في ذلك الحين تقول إنَّ الولايات المتحدة سوف تنجح في حملتها الانتقامية بعد أحداث 11 سبتمبر إلى درجة السيطرة الكاملة على العالم.




إلا أنَّ المشهد الأمريكي البائس في نهاية حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن يقر بالهزيمة الأمريكية الكاملة؛ حيث يأتي الموقف الأمريكي الجديد في أفغانستان في إطار أوسع من حالة من التردي غير المسبوق التي يعانيها العملاق الأمريكي المنهار؛ حيث طالت الهزيمة كافة أركان عناصر القوة الأمريكية الشاملة.فعلى المستوى الاقتصادي اختتم بوش فترتَيْ حكم الجمهوريين الجدد في الولايات المتحدة بانهيارٍ ماليٍّ كاملٍ امتد ليطال أركان النِّظام المالي العالمي الذي فرضه الأمريكيون على العالم، وجاء ذلك ليُفقد العالم ثقته الكاملة في السياسات الأمريكية على المستوى الاقتصادي، وتمهيدًا لنظامٍ اقتصاديٍّ عالميٍّ جديدٍ، وبوادر التغيير بدأت بالفعل في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا أكبر دول الحليف الأوروبي.




على المستوى الأمني والعسكري لم تصبح الولايات المتحدة أكثر أمانًا من ذي قبل كما يزعم بوش؛ فسياسات واشنطن العدائية أدَّت إلى عودة الروس بصواريخهم وقاذفاتهم الإستراتيجية إلى أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا وفي المحيط القطبي الشمالي وحتى شمال الأطلنطي، وهو تهديدٌ يختلف تمامًا عن تهديدات تنظيم القاعدة المسلح بالقنابل والبشر فقط؛ فهو تهديد مسلح حتى الأسنان بالنفط والغاز والسلاح النووي، وهو ما يصيب الأمن القومي الأمريكي في مقتل.




فيما يخص الحرب على الإرهاب فشلت الولايات المتحدة بشكلٍ كاملٍ، وفق مجموعةٍ من المؤشرات:- في العراق يعود تراجُع العنف إلى عاملَيْن رئيسيَّيْن؛ الأول: هو ضغوط إيران على جيش المهدي لإيقاف نشاطه، وتشكيل مجالس الصحوات السُّنيَّة التي قضت على نفوذ تنظيم القاعدة فيما حول العاصمة بغداد، ولا يعود تراجع العنف الهش في العراق إلى جهود القوات الأمريكية.




- نشاط القاعدة الأخير في اليمن؛ حيث جرى ضرب السفارة الأمريكية ذاتها، وفي باكستان؛ حيث جرى تدمير فندق الماريوت، عاصمة الدبلوماسية في إسلام أباد، وفي المغرب العربي؛ حيث قُتِل 70 جزائريًّا في 3 أيام، وذبح 15 جنديًّا موريتانيًّا، كل ذلك يؤكد أنَّ التنظيم حي وفاعل، وليس ميتًا كما أوهم بوش الرأي العام الأمريكي.


- لم تنجح الولايات المتحدة في القبض على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، أو نائبه أيمن الظواهري، كما فشلت في إستراتيجية الحرب واسعة المدى ضد التنظيمات المرتبطة بالقاعدة؛ فالوضع في منطقة القبائل الباكستانية على الحدود مع أفغانستان لا يزال كما هو أمنيًّا، بالرغم من كل العمليات التي تقوم بها القوات الأمريكية والباكستانية هناك، والنشاط المخابراتي الواسع النطاق في هذه المناطق.




كما تضعضع التحالف الأمريكي الذي بنته واشنطن في هذا الإطار؛ حيث وصلت العلاقات بين واشنطن وإسلام أباد الحليف الأول للأمريكيين في هذا الشأن مؤخرًا إلى أسوأ حالاتها؛ حيث قامت الدفاعات الأرضية الباكستانية أكثر من مرةٍ بضرب الهليكوبتر الأمريكية والطائرات بدون طيار التابعة لحلف الناتو في أفغانستان بعد تجاوزها خط الحدود الباكستاني.




وبدأ الرأي العام في باكستان في ممارسة المزيد من الضغوط لمعارضة السياسات الرسمية التي تتحالف مع الأمريكيين، وكانت الوقاحة الأمريكية هي السبب في هذا؛ فعندما تقوم الطائرات والصواريخ الأمريكية بقتل المواطنين الباكستانيين الأبرياء وخرق السيادة الباكستانية، فإنَّ رد الفعل لا يكون سوى المزيد من النار والغضب كما جرى في الماريوت وفي بلوشستان مؤخرًا، بل وفي قلب المؤسسة العسكرية الباكستانية ذاتها، التي ضغطت على إسلام أباد لوقف الوقاحة الأمريكية على الحدود وداخلها.


ومن خلال المعطيات السابقة يمكن القول بأن سياسات الجمهوريين الجدد في واشنطن هي التي أدت إلى هذه الهزيمة؛ فالوقاحة الأمريكية والتعصب في إطار الحرب على ما وُصِفَ بـ"الإرهاب" هو السبب في فشل الإستراتيجية الأمريكية في هذا المجال، وفي حشد العالم الثالث وراء روسيا ضد واشنطن في الإطار الأوسع لتداعيات الوقاحة الأمريكية، كما أنَّ عدم مسئولية السياسات المالية الأمريكية وتبنيها منطق "القراصنة" القديم الذي كان أول لبنة في النظام المصرفي الأمريكي هو السبب في الفشل الاقتصاديِّ الأمريكي.


درس المقاومةالدرس الأهم الذي يمكن الخروج به في هذا الإطار يتعلق بموضوع المقاومة وتأثيراتها؛ لقد انتصرت إرادة المقاومة الأفغانية ضد عدو هو الأقوى والأكثر ثراءً عبر التاريخ؛ حيث نجحت طالبان على الأرض وعلى المستوى التكتيكي في هزيمة القوة المسلَّحة للناتو وللولايات المتحدة، وعادت لفرض إرادتها السياسية على مساحاتٍ واسعةٍ من أفغانستان، من بينها مناطق حلَّت فيها الدوريات الأمنية لطالبان ليلاً محل قوى الأمن الرسمية التابعة لحكومة قرضاي الضعيفة.




وعلى ذلك فإنَّ التغيير الكبير الذي طرأ على الموقف في أفغانستان من شأنه إحداث تغييرٍ استراتيجيٍّ عميق التأثير في سياسات ومواقف جماعات المقاومة المسلحة في مناطق أخرى من العالم، ومن بينها العالم العربي.فعلى المستوى الإستراتيجي فإنَّ إرادة المقاومة هزمت إرادة المحتل، وحملته على طلب الصلح والتفاوض، وهو ما يجبُّ كل طلبات الإذعان العربية الرسمية من المقاومة الفلسطينية، وينفي كافة المزاعم الإعلامية والسياسية التي تتحدث بلسان الحكومات بشأن عدم جدوى العمل المسلح والمقاومة بشتى صورها ضد العدو الصهيوني.فبأبسط منطقٍ فإنَّ المقاومة في فلسطين لا تواجه قوى عظمى، وهي أقوى من المقاومة الأفغانية، وصاحبة عمقٍ تاريخيٍّ كبيرٍ في العمل المسلح أكثر من طالبان التي لا يزيد عمرها عن العقد ونصف من الزمان.ولذلك فإن من المرجح خلال الفترة المقبلة حدوث شكلٍ من أشكال الإحياء لمشروع المقاومة في فلسطين والصومال وبقاع العالم الإسلامي الأخرى التي تعاني من الغزو الأمريكي المباشر أو بالوكالة عن طريق حلفاء واشنطن كما تفعل إثيوبيا ورواندا وأوغندا في الصومال.


ومن هنا فإنَّ الإعلام العربي والإسلامي مطالبٌ خلال المرحلة القادمة بالعمل على تنشيط ذهنية المواطن العربي والمسلم لجهة أهمية تأصيل ثقافة المقاومة في نفسه، والأهم نزع فكرة الانهزامية التي غرسها فيه الإعلام الرسمي وإعلام العري والإباحية الخاص، والتي تتماهى مع مستهدفات الأجندة الإعلامية الأمريكية- الصهيونية.

ليست هناك تعليقات: