الأربعاء، 8 أكتوبر 2008

دعاية أجنبية للشريعة الإسلامية




بقلم: أحمد بلال


في أعقاب الكارثة الاقتصادية التي لحقت بالأسواق المالية الأمريكية هذه الأيام، انتشرت بعض المقالات التي تُبيِّن مطالبة بعض مفكري الغرب بالأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية في مجال الاقتصاد لإنقاذ اقتصادهم من الانهيار. ففي افتتاحية مجلة (تشالينجز)، وقيل إنها من كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا، استنكر رئيس التحرير "بوفيس فانسون" التساهل في تبرير الفائدة، وقال "أظن أنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها، ما حلَّ بنا ما حلَّ من كوارثَ وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد النقود".

وطالب "رولان لاسكين"، رئيس تحرير صحيفة (لوجورنال دفينانس)، في افتتاحية جريدته بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي، لوضع حدٍّ لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جرَّاء التلاعب بقواعد التعامل، والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.

ومنذ عقدين من الزمن قدَّم "موريس آلي" الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، اقتراحًا للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة "الليبرالية المتوحشة"، فاقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين، هما تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، ومراجعة معدل الضريبة إلى ما يقارب 2%، وهو ما يتقارب تمامًا مع إلغاء الربا، ومع نسبة الزكاة في النظام الإسلامي.

والسؤال هو هل ننتظر نحن في بلادنا شهادات الغرب لكي نؤمنَ بأن الشريعة الإسلامية تشتمل على أسس الصلاح الاقتصادي السليم؟!، ألا يكفينا تحذيرًا من خطورة الربا: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: من الآية 276)؟!، هل ننتظر أن تأتيَ الدعوة من الغرب للعودة لمبادئ الشريعة في الاقتصاد بعد ما حل بهم من كوارث؟!.

إن هناك في بلادنا مِنَ المحللين والمفكرين والاقتصاديين من دعا للسير في فلك الاقتصاد الأمريكي، وعدم التخلف عن ركب العولمة وآليات السوق الحر، فهو السبيل الوحيد للنهضة والتقدم.

وهناك منهم مَن حذَّر من المتابعة العمياء لسياسات العولمة، فقد شخَّص الداء، ولكنه لم يصف الدواء الناجع، وهو العودة إلى مبادئ الشريعة الغراء.

وهناك من تخصص منهم في التبرير والتحوير، لصرف الناس عن مجرد النداء بتطبيق مبادئ الشريعة، تارةً بترديد فرية العصر الحديث بعزل الدين عن السياسة، وبالتالي عن الاقتصاد، وغيره من مجالات الحياة، وتارة ببيان صعوبة الأمر وادعاء جمود الشريعة أو كثرة الآراء بها، وتارة بالتأويل الفاسد للنصوص، وخلط الكليات بالجزئيات، والفرائض بالمندوبات، والأساسيات بالفرعيات.

إن الأولى بالمفكرين والمحللين وفقهاء الاقتصاد في بلادنا أن يعكفوا على مبادئ الشريعة، التي أصبح بعض عقلاء الغرب يتنادون بها، فيوضحوها للناس، ويتولوا الدعوة إليها، ويعلنوها بعزةٍ وفخر: إن لدينا في قرآن ربنا، وهدي نبينا، ما يصلح حالكم وحالنا، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة وغيرها.

إننا ننتظر منهم البيان والتوضيح، لهذه المبادئ، وكشف حقيقة الربا، ومدى خطورته، بعد أن جاءت على ألسنة الغربيين هذه التعبيرات الصريحة: "النقود لا تلد النقود"، "تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر"، "ضرورة التقابض في خلال ثلاثة أيام"، وكلها اصطلاحات تشير صراحةً للضج بالشكوى من الربا، الذي أمرنا القرآن بالابتعاد عنه ﴿... وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا.....﴾ (البقرة)، يا رب سلم.

ولكنْ هناك فرقٌ كبيرٌ، بين أن يدعو عقلاء الغرب لاتباع قواعد الشريعة لتصلح اقتصادهم، وبين أن ندعو نحن لاتباعها استجابةً لأمر ربنا، فنفوز ببركة الطاعة ثم بمزايا الإصلاح، إن هناك فرقًا كبيرًا، بين من يترك الخمر حفاظًا على صحته، وبين مَن يتركها طاعةً لربه، وبعدها حفاظًا على صحته.

ويجب أن نلاحظ عدة خصائص في أسس الإصلاح الاقتصادي في شريعتنا، قد لا يلاحظها الغربيون، منها ارتباط الإصلاح الاقتصادي بغيره من أوجه الإصلاح خاصةً السياسي، ومنها ارتباط البركة والنماء بالطاعة، وارتباط الغلاء والشقاء بالمعصية، ومنها المكسب المعنوي والسعادة النفسية وصلاح البال وراحة الضمير، لمَن يسير على ضوابط الحلال، ويتجنب مزالق الحرام، ابتغاء مرضاة ربه سبحانه، ثم المكسب الأخروي الكبير إلى جانب المكسب الدنيوي اليسير "بقيت كلُّها إلا كتفها".

ليست هناك تعليقات: