الأربعاء، 15 أكتوبر 2008

خبير اقتصادي دولي: النظام الإسلامي الحل للأزمة المالية


د. يوسف إبراهيم يوسف



- خسائر دول الخليج 500 مليار دولار.. شعوبنا كانت أحق بها
- أمريكا وأوروبا بحاجة إلى عبقري ليقدم علاجًا ينقذهم من الكارثة
- خبراء الاقتصاد الأمريكان طالبوا بإعمال الشريعة للحد من العاصفة
- كل اقتصاد قائم على الربا لا بد أن ينهار؛ سواء كان اشتراكيًّا أو رأسماليًّا

حوار- صالح الدمرداش:


أكد الدكتور يوسف إبراهيم يوسف أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر والمستشار العلمي لمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي أن الفرصة الآن سانحةٌ لكي يقدم الاقتصاد الإسلامي نفسه للعالم كله، ويقدم صورةً مثاليةً يراها الناس واضحةً خاليةً من كل هذه المشكلات التي خلَّفتها الأنظمة الاقتصادية المختلفة.

وحذر د. إبراهيم من خطورة انتقال الأزمة المالية العالمية من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصادي العيني، وهو ما يؤدي إلى توقف المصانع وانتشار البطالة ويحدث ما حدث في بداية الثلاثينيات؛ فيما اصطُلح على تسميته بأزمة الكساد الكبير.

وقال إن جوهر الأزمة يكمن في مخالفة تعاليم الإسلام، وإن طرق علاجها في العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، مؤكدًا أن انهيار الرأسمالية قادم لا محالة، وكذلك انهيار كافة الاقتصاديات القائمة على الربا، مصداقًا لقوله تعالى: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا) (البقرة: من الآية 276).. وإلى نص الحوار:

* بداية كيف تقرأ الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي واقتصادي؟
** باختصار شديد من المنظور الإسلامي أسبابها هي مخالفة الإسلام، وطرق علاجها هي العودة للإسلام، ومن الناحية الاقتصادية تكمن أسبابها الرئيسية في الرهن العقاري والمشتقات والبيع على المكشوف.. وما إلى ذلك من بيوع وهمية؛ تؤدي إلى خلق نقود أكثر من اللازم؛ فيؤدي هذا إلى انهيار البنوك والشركات الكبرى.

وبعض من العلاج الذي قدمه متخذو القرار في الولايات المتحدة الأمريكية أخذوه عن الإسلام؛ حيث خفضوا سعر الفائدة، وهم الآن يعترفون أن رفع سعر الفائدة ضار جدًّا بالاقتصاد، وهذا ما تنص عليه تعاليم الإسلام عندما حرَّمت سعر الفائدة.. يقول تعالى: (لَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُوْنَ) (البقرة: من الآية 279)، والفائدة في الإسلام هي الربا، وهي محرمة.. والإسلام عندما جعل القرض بغير فائدة يحميه أكثر مما تحميه الآن الفائدة، والقرض في الإسلام مضمون بنسبة 100% لا يمكن إطلاقًا أن يضيع قرض على صاحبه.

* لكن في ظل زخم الحديث عن هذه الأزمة كيف يقرأ المواطن غير المتخصص المشهد؟
** ما يعني المواطن الآن هو هل ستنتقل الأزمة إلينا أم لا.. والحقيقة أنها ستنتقل إلينا، شئنا أم أبينا؛ لأن العولمة جعلت العالم، كما نعلم، قطعةً واحدة؛ يتأثر بعضها ببعض.. هذه ناحية، والناحية الثانية هي أننا سنتأثر من ثلاث جهات على الأقل:
الجهة الأولى: مصير 35 مليار دولار هي إجمالي احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي المصري،
الجهة الثانية: أن مصر لن تتمكن من تنويع صادراتها تنويعًا كبيرًا، خاصةً أن 70% من صادراتنا تصل إلى أوروبا وأمريكا.
الجهة الثالثة: أن ارتفاع سعر الدولار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات؛ في الوقت الذي تعد فيه مصر مستوردًا صافيًا تعتمد على 99% من احتياجاتها على الاستيراد، وهذا الأمر سيكون له تبعات خطيرة جدًّا على ارتفاع الأسعار في مصر، خاصةً أن الحكومة والتجار يرفعون الأسعار عند زيادة الدولار، وعندما ينخفض تظل الأسعار على حالها، إضافةً إلى خروج الأجانب من البورصة المصرية، وهو ما أدَّى إلى الانهيارات السابقة للبورصة؛ نتج عنها خسائر مبدئية قدِّرت بـ300 مليار جنيه، وكل ما سبق سيؤثر قطعًا على الاقتصاد المصري بصفة عامة.

والمخاوف الآن تكمن في تفاقم الأزمة المالية العالمية، وتنتقل من الاقتصاد النقدي إلى الاقتصاد العيني؛ فتتوقف المصانع وتنتشر البطالة، ويحدث ما حدث في بداية الثلاثينيات؛ مما عرف بأزمة الكساد الكبير والتي عولجت عن طريق مستر كينز في كتابه المعروف عن "البطالة والأسعار والتوظف والنقود"؛ الذي أتى فيه بسياسات جديدة تخالف كل ما كان يطبَّق قبل ذلك باسم النظرية التقليدية للاقتصاد، وجاء بالنظرية الكنزية التي عالجت الموضوع.

ونحن في حاجة الآن إلى مفكِّر عبقري مثل كينز لكي يخرج لنا بعلاج لهذه القضية، ولعل خبراء الاقتصاد الإسلامي في هذه الأيام يحاولون كشف وتوضيح ما جاء به الإسلام في هذا الشأن.

البديل
* هل العالم الآن بحاجة إلى رؤية إسلامية تقدم من خلالها الاقتصاد الإسلامي كنظام عالمي؟
** قبل هذه الأزمة كنا نقول إن الشيوعية قد انهارت، ولا بد أن تنهار الرأسمالية؛ لأنه لا فرق بين الشيوعية والرأسمالية، كلاهما نظام مادي بحت؛ فالاشتراكية كانت قمة المادية فانهارت قبل الرأسمالية، لكن الأخيرة أقل منها في المادية فاستمرت لفترة، ثم إن الاشتراكية لم تكن تسمح بالانتقاد، وكل من يريد أن يفتح فمه فجزاؤه المقصلة، ومن ثم لم تتمكن من إصلاح نفسها، لكن الرأسمالية بها هذه الميزة، وهي السماح بالانتقاد فاستمرت لمدة أطول، إلا أنه لا بد من انهيار الرأسمالية طال الزمن أم قصر؛ لأن الله قال (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا) (البقرة: من الآية 276) فكل اقتصاد قام على الربا لا بد أن يُمحق ويُمحى من الوجود.

وللأسف اقتصاديات الدول العربية والإسلامية قائمة على الربا كالاقتصاديات الأوروبية، وبالتالي لن نكون في منجى من هذه المشكلات، ونحن وضعنا أنفسنا معهم في زورق واحد قائم على الربا، وإذا نظرت إلى دول الخليج مثلاً ستجد أن خسارتهم بلغت ما يساوي 500 مليار دولار خلال هذه الأزمة، وهذا المبلغ لو كان وجِّه لنمو العالم الإسلامي لكنا وصلنا جميعًا إلى مستوى متقدم.. جميع بلاد الإسلام كانت نمت بهذا المبلغ.

* هل هناك ما يدعو إلى التفاؤل في ظل هذه الأزمة؟
** التفاؤل والتشاؤم موقف شخصي؛ فهناك من يرى أنها ستنتهي بعد ستة شهور، وهناك من يقدِّرها بسنة، وهناك من يقدّرها بسنتين أو ثلاثًا، فالقضية لا تعود إلى مواقف موضوعية وإنما تعود إلى نفسية الشخص؛ فالمتفائل يرى أن وسائل بوش وغيره للإنقاذ قد تؤتي ثمارها، والبعض يرى أنها غير مفيدة على الإطلاق، ومن الممكن أن يحطِّم العالم بها.

الشريعة الآن
* ألا ترى أن الفرصة سانحة الآن لتطبيق الشريعة الإسلامية في التعاملات الاقتصادية كملاذٍ آمن؟
** الغربيون الآن يطالبون بذلك؛ فرئيس تحرير صحيفة (لوجورنال دي فايننيس) قال في افتتاحية العدد الصادر يوم 25/9/2008م التي كتبها تحت عنوان: "هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت؟": "إذا كان قادتنا حقًّا يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت في الأزمة فلا شيء أكثر بساطةً من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية".


الأزمة المالية أحدثت هزة كبيرة في الأسواق العالميةأما "بوفيس فينست" رئيس تحرير مجلة (تشالنجر) كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا فقد كتب مقالاً افتتاحيًّا للجريدة في 11 سبتمبر 2008م بعنوان: "البابا أو القرآن" ومما جاء فيه: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا؛ لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من أحكام وتعاليم وطبقوها؛ ما حلَّ بنا ما حلَّ من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري؛ لأن النقود لا تلد نقودًا".

* ما هو صمام الأمان لتجنب مخاطر هذه الأزمة؟
** ضرورة إقامة اقتصاد إسلامي يحرم الربا ويقيم للناس صورة مثالية يراها الناس واضحة خالية من هذه المشاكل مصداقا لقوله تعالي (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُوْنُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: من الآية 143) والشهادة هنا من وجهة نظري أن نقيم للناس النظام المثالي الذي يرون فيه الصلاحية فيحاولون تقليدها.

المسئولية
* ألا ترى أن اتخاذ تلك الأزمة فرصة لتوضيح تعاليم الإسلام في التعاملات الاقتصادية المختلفة مسئولية خبراء الاقتصاد الإسلامي؟
** هذا صحيح.. يجب علينا فعلاً اتباع كافة السبل والوسائل المتنوعة لكي ننقل للعالم كله مبادئ وتعاليم الاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة والشريعة الإسلامية بصفة عامة؛ لأن الغرب يجهل الشريعة الإسلامية لتقصيرنا وتهاوننا في تبليغها ونشرها، والطرق الآن متاحة وخصبة لكي يقدم الاقتصاد الإسلامي نفسه بصورة يقبلها الناس، ولكي يتعرف الغرب على الإسلام وشريعته السمحاء.

* الخلاصة؟
** ندعو الله أن يجنِّب الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية عواقب هذا الأمر الخطير الذي ربما يقضي على الأخضر واليابس، ويجب علينا أن نعتمد على أنفسنا ولا نعتمد على الآخرين، وألا نرى في العولمة قدرًا مفروضًا علينا، وإنما هي سياسة يحاولون إجبارنا عليها، وما لم نعتمد على أنفسنا؛ فلا أمل في تنمية ولا في تقدم، والعرب قديمًا قالوا: "ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، فتولَّ أنت جميع أمرك"، والكلمة التي كان يقولها المرحوم الشيخ الشعراوي: "إذا أردت أن يكون رأيك من رأسك فلا بد أن تأكل من فأسك".

ليست هناك تعليقات: